الدول المتخلفة هي تلك التي تعاني من تأخر اقتصادي مقارنة بمعظم دول العالم، حيث تتميز ببنية صناعية محدودة وتخصيصات مالية ضعيفة للقطاعات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. وتتسم هذه الدول بارتفاع نسبة الفقراء، مما يجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية. ينتج هذا الوضع الاقتصادي المتدهور عن تفاوت كبير في جودة الحياة، مع تسجيل معدلات عالية لوفيات الرضع والأطفال.
ويُعتبر مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة مؤشرًا محترمًا على مستوى التنمية في الدول. يقيم هذا المؤشر أكثر من 150 مؤشرًا دوليًا، بما في ذلك متوسط العمر المتوقع والتعليم ودخل الفرد، ليخلق قيمة واحدة تُعرف بـ “التنمية البشرية”. وتتمثل هذه القيمة في تصنيف للدول على مقياس يتراوح بين 0 و1، حيث يُمثل 1.000 أعلى درجة يمكن تحقيقها، في حين يُشير 0.000 إلى أدنى درجة. ويُصنف المؤشر الدول في أربع فئات من التنمية البشرية: منخفضة (0-0.55)، متوسطة (0.55-0.70)، عالية (0.70-0.80)، وعالية جدًا (0.80-1.0).
لنلقي نظرة على الدول العشر الأكثر تخلفاً وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2022، ونفهم العوامل التي أسهمت في تصنيفها بهذا الشكل.
الدول الـ 5 الأقل نمواً في العالم
1- جنوب السودان – مؤشر التنمية البشرية 0.385
جنوب السودان، الواقع في شرق وسط أفريقيا، يعاني من التخلف التنموي بشكل رئيسي نتيجة للصراع المستمر وعدم الاستقرار السياسي. على الرغم من استقلالها عن السودان في عام 2011، إلا أن البلاد انزلقت إلى حرب أهلية في عام 2013 بسبب تصاعد الخلافات السياسية بين الرئيس ونائبه، مما أسفر عن فقدان أرواح ونزوح كبير للسكان. الاستمرار في هذا الصراع أثر سلباً على التقدم الاقتصادي والاجتماعي، حيث تمنع الحرب الأهلية الطويلة التنمية الفعّالة. هناك أيضاً تحديات منهجية تتمثل في هشاشة المؤسسات والحكم الذي يعيق تنفيذ برامج التنمية الحيوية. بمؤشر تنمية بشرية يبلغ 0.385، يظهر جنوب السودان بوضوح كواحدة من الدول العشر الأكثر تخلفًا. الانخراط في جهود إنشاء حكومة مستقرة وفعّالة يمثل تحديًا إضافيًا. ومع وفاة 99 من كل 1000 طفل قبل سن الخامسة، يتعين العمل بشكل فوري لتحسين معدلات وفيات الأطفال وتعزيز الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان.

2-تشاد – مؤشر التنمية البشرية 0.394
تشاد، البلد غير الساحلي في شمال وسط أفريقيا، يواجه تحديات كبيرة في مجال التنمية بسبب تاريخه المعقد بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي في عام 1960. تعاني البلد من اضطرابات داخلية وعنف، حيث تتسبب التوترات بين المناطق الشمالية ذات الأغلبية العربية الإسلامية والمناطق الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية والأرواحية في عدم الاستقرار. رغم امتلاك تشاد لاحتياطيات كبيرة من الذهب واليورانيوم، وتحقيقها لمكانة دولة مصدرة للنفط، إلا أنها تظل تواجه صعوبات جسيمة نتيجة الصراعات الداخلية وأعمال العنف المستمرة. الفقر المدقع يؤثر على نحو 42٪ من سكان البلاد، ويزداد تعقيد الوضع بسبب نظام الرعاية الصحية الضعيف الذي يشهد نقصًا كبيرًا في عدد الأطباء، حيث يوجد نحو 0.06 طبيب لكل 1000 فرد. مع هذه التحديات، يصبح السكان عرضة للأمراض المعدية نظرًا لضعف الدعم الصحي، مما يتسبب في انتشار الأمراض مثل حمى الضنك والملاريا بشكل واسع، مما يؤثر على الحالة الصحية للسكان. تعكس هذه الظروف الوضع الصعب الذي تواجهه تشاد في سعيها لتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية.

3- النيجر – مؤشر التنمية البشرية 0.400
يتسم التخلف التنموي في النيجر بالتداول المستمر للاستقرار السياسي، حيث شهدت البلاد انقلابات عسكرية متكررة منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960. في الفترة الحديثة، تسبب الانقلاب المفاجئ الذي وقع في عام 2023 في تعطيل الاستقرار السياسي الضروري لتحقيق التنمية على المدى الطويل. وليس هذا فقط، بل يثير القلق أيضًا حول العلاقات الدولية، خاصة بعد قرار المجلس العسكري بإنهاء اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، مما يضيف تعقيدًا إضافيًا لعملية التنمية في النيجر. تواجه البلاد تحديات إضافية مثل الفقر والجفاف المتكرر، رغم ثراءها في الموارد مثل اليورانيوم والجهود المبذولة في التنقيب عن النفط وتعدين الذهب. التصحر الناجم عن تغير المناخ يشكل تهديدًا إضافيًا، خاصة في بلد يعاني من نقص الموارد. الجهود المبذولة في تحسين الاستقرار السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى مكافحة التصحر وتحسين إدارة الموارد، تظل أمورًا حيوية لتعزيز التنمية البشرية في هذا السياق.

4- جمهورية أفريقيا الوسطى – مؤشر التنمية البشرية 0.404
منذ انعزالها عن فرنسا في عام 1960، عاشت جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي دولة غير ساحلية في وسط أفريقيا، تحت وطأة عدم الاستقرار المستمر. ورغم وفرة الموارد القيمة مثل الماس والذهب والنفط واليورانيوم، فإنها تعتبر واحدة من أكثر دول العالم تخلفًا. في عام 2013، انقلب تحالف “سيليكا”، المتمثل في متمردين مسلمين، على الحكومة، مما أدى إلى تصعيد العنف بينهم وبين ميليشيات مسيحية تعرف باسم “أنتي بالاكا”. بفضل الضغوط الدولية، تم نقل السلطة إلى حكومة انتقالية في عام 2014. ومع ذلك، لا تزال الاضطرابات والصراعات تؤثر سلبًا على الوضع في البلاد. يظهر معدل العمر المتوقع البالغ 55.96 عامًا عند الولادة ونسبة السكان فوق سن 15 الذين يمكنهم القراءة أو الكتابة (37.4٪ فقط) الآثار الوخيمة لهذه الظروف الصعبة. بالرغم من الثروات الطبيعية، يستمر التأثير السلبي للاضطرابات السياسية والصراعات في تعقيد مسار التنمية البشرية في جمهورية أفريقيا الوسطى.

5-بوروندي – مؤشر التنمية البشرية 0.426
بوروندي، الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، تواجه تحديات مستمرة نشأت عن تشابك معقد من العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية. خلافات التاريخ المبكر حول الأدوار والعلاقات بين المجموعات العرقية الرئيسية – التوا، والهوتو، والتوتسي – أثرت بشكل سلبي على مسار التنمية في البلاد. منذ استقلالها عن بلجيكا في عام 1962، شهدت بوروندي صراعات داخلية متقطعة وبعضها كان عنيفًا، ناجمة أساسًا عن الصراع المستمر حول السلطة بين أقلية التوتسي وأغلبية الهوتو. تأثير هذه النزاعات الداخلية كان كبيرًا في تعثر تقدم البلاد وتأثيرها السلبي على نموها. اندلعت الحرب الأهلية في عام 1993، وأدت إلى تفاقم المشاكل، جعلت من بوروندي خلفية لواحدة من أطول الصراعات في أفريقيا. الآثار الدائمة لتلك التوترات التاريخية والعرقية لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في تعقيد مسار التنمية وإدامة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. على الرغم من تراجع مؤشر التنمية البشرية في بوروندي، إلا أن معدل وفيات الأطفال يظل أقل نسبيًا مع 53 حالة وفاة لكل 1000 ولادة قبل سن الخامسة. يمكن أن تكون التدخلات المستهدفة في مجال الصحة، مثل علاج سوء التغذية وتحسين النظافة الشخصية، سببًا في انخفاض معدل الوفيات.

في ختام هذا المقال، نرى أن الدول التي تحتل المراكز الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية تواجه تحديات هائلة تعيق تقدمها نحو التنمية المستدامة. تتسم هذه الدول بتاريخ معقد من النزاعات الداخلية، وعدم الاستقرار السياسي، وتفاقم الفقر. الظروف الاقتصادية الصعبة والبنية التحتية المحدودة تجعل من الصعب عليها تلبية احتياجات مواطنيها، خاصة في مجالات التعليم والرعاية الصحية.
من خلال استعراض مؤشر التنمية البشرية للدول العشر الأخيرة، ندرك أهمية تكثيف الجهود الدولية لتقديم الدعم والمساعدة. يجب تعزيز الشراكات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار السياسي في هذه الدول. الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، إلى جانب دعم البنية التحتية وتعزيز القدرات المؤسسية، يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحسين الظروف المعيشية وتحقيق التقدم المستدام
شاهد أيضاً:
تقارير : الذكاء الاصطناعي سيسيطر على الخدمات المصرفية قريباً
أغلى 5 ورود يمكنك شراؤها
أكبر الدول في صناعة السفن بالعالم
أكثر من مليون مسافر عبر مطار الملك عبدالعزيز الدولي خلال 2023