تعد الأوبئة، من بين أكبر المخاوف التي تواجه البشرية عبر التاريخ، ولا تزال تشكل تحدياً كبيراً للصحة العامة في عصرنا الحديث المتسم بالعولمة. فعندما تنتشر الأوبئة بشكل واسع في مجتمع معين أو في معظم أنحاء العالم، فإنها تصبح مصدر قلق للبشرية بأكملها.
تعتبر جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) مثالًا حيًا على تأثير الأوبئة في العصر الحديث. فقد أظهرت الجائحة العالمية كيف يمكن للأوبئة أن تنتشر بسرعة في عصر تواصل السفر السريع والتكنولوجيا المتقدمة. ومن خلال هذه الجائحة، يفهم العالم أهمية التصدي للأوبئة والاستعداد لمواجهتها.
ورغم أن الأوبئة والجوائح كانت موجودة منذ فترة طويلة قبل عصرنا الحديث، إلا أنها كانت تشكل تحديات صحية هائلة بسبب نقص المعرفة الطبية والتدابير الوقائية الفعالة. ولذلك، كان لدى الأوبئة تأثيرًا أكبر وأخطر في العصور السابقة. يظهر ذلك واضحًا في قائمة الأوبئة التالية، التي تصنف الأوبئة الأكثر فتكًا في تاريخ البشرية المعروف.
أخطر 5 أوبئة عرفها العالم
1- طاعون الموت الأسود
طاعون الموت الأسود يعتبر واحدًا من أسوأ الأوبئة في تاريخ الإنسانية، وقد أودى بحياة مئات الملايين من الأشخاص خلال الفترة من 1346 إلى 1353. يعود أصل هذه الأوبئة إلى بكتيريا الطاعون الدبلي، التي انتقلت إلى البشر من خلال براغيث الفئران الشرقية.
بدأ انتشار الطاعون في آسيا الوسطى أو شرق آسيا، ومن هناك انتقل إلى شبه جزيرة القرم عبر طريق الحرير. وبواسطة البحارة، وصلت البراغيث المصابة بالطاعون إلى إيطاليا على متن السفن، ومن هناك انتشرت بسرعة في جميع أنحاء أوروبا.
تتسبب بكتيريا الطاعون الدبلي في إصابة البشر من خلال لدغات البراغيث، وكان لهذا المرض تأثير هائل على مجتمعات العصور الوسطى. فقد شهدت أوروبا نسبة كبيرة من الوفيات، حيث فقد حوالي نصف سكانها حياتهم جراء هذه الجائحة.
يعد طاعون الموت الأسود حدثًا تاريخيًا يذكر بأهمية الحذر والتأهب لمواجهة الأوبئة، ويظل يشكل تحذيرًا مهمًا لضرورة اتخاذ التدابير الوقائية والطبية للحفاظ على صحة الإنسانية في مواجهة الأوبئة المستقبلية.

2- الإنفلونزا الإسبانية
الإنفلونزا الإسبانية، واحدة من أكثر الأوبئة فتكًا في تاريخ البشرية، حيث أودت بحياة حوالي 50 مليون شخص، وفقًا لبعض التقديرات يمكن أن يصل هذا العدد إلى 100 مليون.
ظهرت الإنفلونزا الإسبانية في الفترة من 1918 إلى 1920، وأثرت على جميع مناطق العالم تقريبًا، حيث أصيب نحو 27% من سكان العالم بالعدوى. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وأوروبا الغربية وأفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية بين أبرز المناطق المتضررة.
سببت الإنفلونزا الإسبانية من خلال فيروس الأنفلونزا A H1N1، حيث انتقل الفيروس بين البشر عن طريق السعال والعطس. ورغم أن مصدر الفيروس قد يكون في الولايات المتحدة أو الصين، إلا أن انتشاره السريع جعله يصل إلى كافة أنحاء العالم.
رغم تسميتها بالإنفلونزا الإسبانية، فإنها لم تنشأ فعليًا في إسبانيا، ولكن إسبانيا كانت من بين الدول القليلة التي أبلغت عن تفشي المرض بشكل علني. وبما أنها كانت دولة محايدة في الحرب العالمية الأولى، لم تكن هناك رقابة على الأخبار حول الوباء، وبالتالي أصبحت معروفة عالميًا باسم “الإنفلونزا الإسبانية”.

3- جائحة الإيدز
جائحة الإيدز، واحدة من أكثر الأوبئة المدمرة في تاريخ البشرية، حيث أودت بحياة حوالي 36 مليون شخص حول العالم.
ظهر فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، المسبب لمتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، لأول مرة في وسط أفريقيا، وتحديدًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وعلى الرغم من أن أسباب انتقاله إلى البشر ليست واضحة تمامًا، فإنه يُعتقد أنه نتج عن انتقال فيروس نقص المناعة القردية (SIV)، الذي يؤثر على الشمبانزي والغوريلا والقردة الأخرى، إلى البشر وتحوره ليصبح HIV.
ينتقل فيروس الإيدز بشكل رئيسي من خلال الاتصال الجنسي مع شخص مصاب، ولكن يمكن أيضًا أن ينتقل من خلال عمليات نقل الدم، والإبر تحت الجلد، والرضاعة الطبيعية، وحتى من الأم المصابة أثناء الحمل إلى الطفل الذي لم يولد بعد.
ومنذ ظهوره في السبعينيات، انتشر فيروس الإيدز بسرعة في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ثم وصل إلى الولايات المتحدة ومنها انتشر على مستوى العالم. ولحد الآن، تظل جائحة الإيدز تشكل تحديًا كبيرًا للصحة العامة عالميًا، مع استمرار الجهود للتصدي لانتشارها وتقديم العلاج المناسب للمصابين.

شاهد أيضاً: تراجع مبيعات ماكدونالدز على الصعيد العالمي بفعل حملات المقاطعة
4- طاعون جستنيان
طاعون جستنيان، واحد من أكثر الأوبئة دمارًا في التاريخ، حيث أودى بحياة حوالي 30 مليون شخص.
ظهر هذا الطاعون في الفترة بين عامي 541 و 542، وأثر بشكل كبير على الإمبراطورية البيزنطية، خاصة عاصمتها القسطنطينية (إسطنبول حاليًا)، بالإضافة إلى جميع المناطق المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، حيث هلك حوالي 20% من سكان العالم في ذلك الوقت.
يُسبب الطاعون الدبلي الذي يُسمى أيضًا بالطاعون البنغالي، بكتيريا يرسينيا بيستيس، ويُنقل بشكل رئيسي من خلال براغيث الفئران الشرقية التي تحمل هذه البكتيريا وتصيب الناس من خلال لدغاتها.
نشأت براغيث الفئران المحملة بالبكتيريا في آسيا الوسطى أو شرق آسيا، وانتقلت إلى مصر، ومنها جاءت إلى القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) عبر السفن، حيث انتشرت البكتيريا في جميع أنحاء سواحل البحر الأبيض المتوسط. ومن بين المصابين بالطاعون كان جستنيان الأول، إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية في ذلك الوقت، ورغم ذلك نجا من المرض، لكنه كان أحد الأسباب التي جعلت الوباء يحمل اسمه.

5- جائحة الطاعون الثالث
جائحة الطاعون الثالث، واحدة من أطول وأكثر الأوبئة دمارًا في التاريخ، حيث أسفرت عن وفاة حوالي 22 مليون شخص.
بدأت هذه الجائحة حوالي عام 1855 واستمرت حتى عام 1960، ممتدة على مدى أكثر من قرن من الزمان. وكانت المناطق الأكثر تضررًا هي في المقام الأول الصين والهند، وبدرجة أقل في بقية أنحاء العالم.
الطاعون الدبلي، الذي يسببه بكتيريا يرسينيا بيستيس، انتقل بشكل رئيسي عن طريق براغيث الفئران الشرقية التي تحمل هذه البكتيريا، وتصيب الناس عن طريق لدغاتها.
نشأت هذه الجائحة بعد أن جلبت جرذان مصابة ببراغيث إلى مقاطعة يونان الصينية، حيث بدأ الوباء. وانتشر الوباء في نهاية المطاف إلى هونغ كونغ، ومن هناك تم نقله إلى مختلف أنحاء العالم بواسطة التجار والبحارة.
تضررت الهند بشدة من هذه الجائحة نظرًا لكونها شريكًا تجاريًا رئيسيًا وتواجدها ضمن الإمبراطورية البريطانية، حيث انتشرت البكتيريا بشكل سريع في جميع أنحاء شبه القارة الهندية.
استمرت الجائحة لأكثر من 100 عام، مما يجعلها أطول جائحة في التاريخ المسجل.

باعتبارها واحدة من أطول الجوانب الدموية في تاريخ البشرية، تذكرنا جائحة الطاعون الثالث بأهمية اليقظة والتأهب دائمًا لمواجهة التحديات الصحية العالمية. علينا أن نستفيق من خبرات الماضي ونعمل بجد لتعزيز نظم الرصد والتحكم في الأمراض، حتى نحافظ على سلامتنا وسلامة مجتمعاتنا في المستقبل.
شاهد أيضاً:
تقارير : الذكاء الاصطناعي سيسيطر على الخدمات المصرفية قريباً
أغلى 5 ورود يمكنك شراؤها
أكبر الدول في صناعة السفن بالعالم
أكثر من مليون مسافر عبر مطار الملك عبدالعزيز الدولي خلال 2023